في احد الايام معاوية سأل ضرار بن حمزة عن علي (رضى الله عنه) بعد استشهاده
فقال له: صف لي عليا
قال ضرار أو تعفيني ؟
قال: صفه ؟
قال: أو تعفيني, ؟
قال معاوية : لا اعفيك
قال : اما إذ لا بد فأقول ما أعلمه منه :
والله كان بعيد المدى , شديد القوى , يقول فصلاً , ويحكم عدلاً , يتفجر العلم من جوانبة , وتنطق الحكمة من نواحيه , يستوحش من الدنيا وزهرتها , ويستأنس باليل وظلمتة , وكان والله عزيز الدمعة , طويل الفكرة , يقلب كفيه , ويخاطب نفسة , يعجبة من الباس ما خشن , ومن الطعام ما جشب .
كان والله كأحدنا , يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه , ويأتينا إذا دعوناه , ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة , ولانبتدئه عظمة , إن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم , يعظم أهل الدين ويحب المساكين , لايطمع القوي في باطله , ولا ييأس الضعيف من عدله .
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ,
وغارت نجومه ,
وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ,
وكأني أسمعه
وهو يقول :
يا دنيا أبي تعرضت ؟
أم الي تشوقت؟
هيهات
هيهات غري غيري ,
وقد باينتك ثلاثا لارجة لي فيك ,
فعمرك قصير ,
وعيشك حقير ,
وخطرك كثير ,
آه من قلة الزاد ,
وبعد السفر ,
ووحشة الطريق .
قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ,
فقال معاوية : رحم الله ابا الحسن كان والله كذلك ,
فكيف حزنك علية يا ضرار ؟
فأجاب : حزن من ذبح ولدها في حجرها ,
فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها.....